بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمر بن الخزرج الساعدي الأنصاري، كنيته أبو العباس، ولد قبل الهجرة النبوية بخمس سنين، وتوفي بالمدينة المنورة، واختلف في سنة وفاته، فقيل: سنة (88هـ)، وقيل: سنة (91 هـ)، وقيل بل تأخر إلى سنة (96 هـ) أو بعدها. (1)
مما قيل فيه:
قال الذهبي: ((الإمام الفاضل المعمر، بقية أصحاب رسول الله (ص))). (2)
قال ابن كثير: ((صحابي مدني جليل)). (3)
قال ابن حجر: ((من مشاهير الصحابة)). (4)
من ذاكرة التاريخ:
صحب رسول الله (ص) (5) وسمع منه، وكان اسمه حزناً، فسماه رسول الله (ص) سهلاً (6)، وحج مع رسول الله حجة الوداع، فسمع منه يوم نزوله بغدير خم حديث الغدير المشهور (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) وشهد بذلك أمام الناس حين ناشد الإمام علي (ع) أصحاب رسول الله (ص) (حين جمع الناس بالرحبة بالكوفة) أن يقوم من سمع رسول الله (ص) يقول ذلك، فقام هو مع جماعة آخرين من الصحابة فشهدوا. (7)
احتج به الإمام الحسين (ع) على أعدائه يوم كربلاء، وذلك أن الإمام (ع) خطب الناس قبل نشوب القتال، فقال لهم: ((أولم يبلغكم قول مستفيض فيكم أنّ رسول الله (ص) قال لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة، فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق… وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري، أو أبا سعيد الخدري، أو سهل بن سعد الساعدي… يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (ص) لي ولأخي….)) (8)
كان موجوداً في الشام يوم وصل ركب سبايا الإمام الحسين (ع) إليها، فرأى رأس الإمام (ع) على رمح، وعياله وأطفاله على الجمال بغير وطاء، فتقدم إلى حامل الرأس الشريف واعطاه أربعمئة دينار ليتقدم بالرأس أمام النساء، ليشتغل الناس بالنظر إليه ولا ينظروا إلى النساء. (9)
أرسل إليه الحجاج بن يوسف الثقفي وقال له: قد امتنعت من نصر عثمان بن عفان. فأمر به فختم في عنقه، كما ختم أيضا في عنق أنس بن مالك، وفي يد جابر بن عبد الله الأنصاري يريد بذلك إذلالهم، وأن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم. (10)
توفي بالمدينة المنورة، وقد أختلفوا في سنة وفاته فقيل توفي سنة (88هـ)، وقيل سنة (91 هـ)، وقيل بل تأخر إلى سنة (96 هـ) أو بعدها، وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب رسول الله (ص) (11).
قيل لسهل بن سعد: إن بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك تسب علياً عند المنبر، قال: أقول ماذا؟ قيل له: تقول: أبا تراب، قال: والله ماسماه بذلك إلا رسول الله (ص)، فقيل له: وكيف ذاك، يا أبا العباس؟ قال: دخل علي على فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع في فيء المسجد، ثم دخل رسول الله (ص) على فاطمة فقال لها: أين ابن عمك؟ فقالت: هو ذاك مضطجع في المسجد، قال: فجاءه رسول الله (ص) فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول: أجلس ابا تراب، فوالله ماسماه به إلارسول الله (ص)، ووالله ما كان له اسم أحب إليه منه. (12)
قال سهل بن سعد: خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار، كثيرة الأشجار، قد علقوا الستور والحجب والديباج، وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: لعل لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن، فرأيت قوماً يتحدثون، فقلت: يا هؤلاء ألكم بالشام عيد لانعرفه؟ قالوا: يا شيخ نراك غريباً، فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول الله (ص) وحملت حديثه، فقالوا: يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دماً، والأرض لا تخسف بأهلها. قلت: ولم ذاك؟ فقالوا: هذا رأس الحسين عترة رسول الله (ص) يهدى من أرض العراق إلى الشام، وسيأتي الآن، قلت: واعجباه! يهدى رأس الحسين والناس يفرحون، فمن أي باب يدخل؟ فأشاروا إلى باب يقال له باب الساعات، فسرت نحو الباب، فبينما أنا هنالك إذ جاءت الرايات يتلو بعضهاً بعضا، وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان، وعليه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله (ص)، وإذا بنسوة من ورائه على جمال بغير وطاء، فدنوت من إحداهن فقلت لها: يا جارية من أنت؟ فقالت: سكينة بنت الحسين، فقلت لها: ألك حاجة إلي؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه، قالت: يا سهل، قل لصاحب الرأس أن يتقدم بالرأس أمامنا، حتى يشتغل الناس بالنظر إليه، فلا ينظرون إلينا، فنحن حرم رسول الله (ص)، قال: فدنوت من صاحب الرأس وقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار؟ قال: وما هي؟ قلت تقدم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك، ودفعت له ما وعدته. (13)
المصادر:
1- الاستيعاب 2/ 224-225، وتهذيب التهذيب 4/ 252-253.
2- سير أعلام النبلاء 3/ 422.
3- البداية والنهاية 9/ 89.
4- الإصابة 2/ 88.
5- انظر الإصابة 2/ 88، والبداية والنهاية 9/ 89.
6- أسد الغابة 2/ 472.
7- ينابيع المودة 1/ 118-119، والغدير 1/ 176.
8- تاريخ الطبري 2/ 319، والإرشاد 2/ 97.
9- مقتل الحسين (ع) للخوارزمي 2/ 61-62.
10- أسد الغابة 2/ 472، وانظر تاريخ الطبري 3/ 543.
11- تهذيب التهذيب 4/ 252.
12- تاريخ الطبري 2/ 15.
13- مقتل الحسين (ع) للخوارزمي 2/ 60-61.