ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” والتقية
إن من الأمور الواجبة عندنا بنص الكتاب العزيز والسنة المباركة وإجماع الطائفة التقية، فقد نص القرآن على ذلك في غير آية من آياته كما إن لنا أكثر من نص وارد عن أئمة الهدى “ع” يشير إلى وجوبها.
مضافاً إلى وضوح الإجماع الحاصل لكل من استعرض فتاوى علمائنا، بل لا يبعد عدّ هذا الحكم من ضروريات المذهب.
ولقائل أن يقول بعد ما ثبت وجوب التقية هكذا بالنحو المزبور لماذا لم يعمل أبو عبد الله الحسين “ع” بها حيث لا نجد أحداً ممن سبقه ولا ممن جاء بعده من المعصومين “ع” قام بحركة كحركته والظاهر أن ذلك كان منهم عملاً بالتقية الواجبة التي يحسون بضرورتها التشريعية والواقعية عليهم. فإذاً لماذا أستثني الحسين “ع” من ذلك؟…
الجواب الاول
نجيب على هذا السؤال بأنه نسلم بأن التقية حكم إلزامي، إلا أنها ساقطة في حق الامام الحسين “ع” لأنها مزاحمة لأمر أهم فيقدم عليها، توضيح ذلك:
إن الملاحظ في آيات التقية أنها واردة في موارد فردية متفرقة فقدم اختيار التقية على غيرها.
لكن قضية الإمام الحسين “ع” قضية عامة فاقتضى ذلك اختيار التضحية وترك التقية وذلك لأن القبول ببيعة يزيد يترتب عليه عواقب وآثار وخيمة بالغة في الأهمية ربما أدت إلى اندراس الإسلام الحقيقي ومعالمه منذ عصره إلى يوم القيامة، و العقل والشرع يرجحان الإقدام على الهلكة إذا كان في ذلك تحقق مصلحة تقاوم مفسدة الهلكة من إبقاء دين وشريعة، أو إبراز حقيقة لا تظهر إلا به كما في أمر الامام الحسين (ع) يوم وقف ذلك الموقف المدهش فتلا على الملأ صحيفة بيضاء وتلتها الحقب والأعوام.
فلقد عرّف صلوات الله عليه بنهضته المقدَّسة الأمم الحاضرة والمتعاقبة أعمال الأمويين ومن سنَّ لهم خرق نواميس الشريعة والتعدي على قداسة قوانينها، وقد استفادت الأمم من إقدام أبي الضيم (ع) على الموت وبذله كل ما لديه من جاه وحرمات في سبيل تأييد الدعوة المحمدية دروسا عالية، وعرفوا كيفية الثبات على المبدأ وإنه لَيُستَهانُ في تحرير النفوس من الجور وإنقاذها من مخالب الظلم بكلِّ غال ورخيص.
فأبو عبد الله الحسين (ع) يفضل كل أحد فإنه بإقدامه على ذلك الجمع المغمور بالأضاليل وإن أزهق نفسه المقدسة ونفوس الأزكياء من أهل بيته وصحبه وعرض حرم رسول الله (ص) للسلب والأسر إلا أنه سجل أسطرا نورية على جبهة الدهر في أحقية نهضته وبطلان تمويهات عدوه الحائد عن سنن الحق، المتمرد المتمادي في الطغيان، فهو الفاتح المنصور وإن المتهجّم عليه راسب في بحر الضلال هاتك لحرمات الله تعالى متعد على نظم الإسلام التي قررها صاحب الدعوة الإلهية.
الجواب الثاني
ويمكن الاجابة بنحو آخر وهو أن يقال بتخصيص حكم التقية في حقه “ع” بحيث يخرج من تحت حكمها الإلزامي تخصيصاً واستثناءاً.
وقد ثبت عنده المخصص إما بالإلهام الغيبي وإما بنص عن جده رسول الله “ص” أو أبيه “ع” فلا تكون التقية حينئذٍ واجبة في حقه ولا يكون تركها حراماً عليه.
وقد يجعل المخصص النصوص الواردة في بكاء النبي “ص” عليه منذ يوم ولادته لعلمه المسبق بما يجري عليه.
ومن هنا يرتفع حكم وجوب التقية عن أهل بيته وأصحابه “ع” المشاركين له في نهضته المباركة لأن التقية وإن كانت واجبة عليهم إلا أنه لما أمرهم الإمام الحسين “ع” بالمسير معه والقتال بين يديه تكون مستثناة أيضاً في حقهم.
بل الظاهر أن مقتضى قوله “ع”: من سمع واعيتنا ولم ينصرنا أكبه الله في النار. عدم وجوبها على أحد من البشر حينئذٍ لدلالته على لزوم نصرته فيجب ترك التقية من هذه الجهة.
ويدل هذا الجواب على وقوف سيد الشهداء على أمره وانه لم تخف لديه نوايا الكوفيين ولكنه سر إلهي تعلق به خاصة ولاجل إلقاء الحجة على أولئك الناس.