الرئيسية / أعلام المنبر / الشيخ محسن أبو الحب

الشيخ محسن أبو الحب

الشيخ محسن أبو الحب
هوية الأسرة ولقبها :

من الأسرة العربية التي هاجرت من الحويزة واستوطنت كربلاء لطلب العلم في القرن الثاني عشر الهجري أسرة آل أبي الحب الخثعمية وأبو الحب لقب التصق بالجد المحسن لمناسبة ابتلاءه بمرض السعال وضيق الصدر فزوده الأطباء بعقار من الحب ، كان يحمله معه ويستعمله عند الحاجة ، ويستضيف عليه نظائره المبتلين بنفس الداء حتى عرف بأبي الحب ، وتلك ألقاب تتلاقفها الناس ويرددونها للتمييز أو للظرف أو لمقاصد أخرى مثل أبو الريحة وأبو اللبن وأبو الطحين وأبو التمر وأبو طبيخ وأبو رغيف وغيرها .

إذاً أول من لقب بأبي الحب من أفراد هذه الأسرة هو الخطيب الكبير الشيخ محسن بن الحاج محمد أبو الحب الخثعمي الحويزي الحائري مؤسس الأسرة وباني صرحها الخطابي ومشيد مجدها الأدبي والثقافي .

ولد المحسن الكبير في كربلاء عام 1245 هـ ونشأ يتيماً حيث مات أبوه وهو طفل صغير ، فعوض افتقاد الحنان والعواطف بذكاءه الحاد ونباهته المتوقدة ، فراح يرتاد المحافل الأدبية والمجالس الحسينية منذ عهده المبكر في مدينة كربلاء المقدسة التي كانت تزدهر بحركتها الأدبية والثقافية ومجالسها العلمية ومراسمها الحسينية التي تطبع شخصية الإنسان على الوعي والمعرفة وتنمي عنده الطاقات المبدعة ، وتشحذ ملكاته الواعدة ، وتصقل تفكيره ، وتهذب أخلاقه وسلوكه حتى ينشأ شخصية متكاملة رائدة .
خطابته :

بعد أن صقلت شخصيته مجالس الأدب ، وانتهل من ينابيع العلم والمعرفة في كربلاء ، اختار طريق الخدمة الحسينية ، فأعد نفسه إعداداً لائقاً لما يتطلبه المنبر الحسيني في براعة وفن حتى أصبح دعامة من دعائم الخطابة الحسينية ، وقطباً من أقطاب الخطباء في كربلاء المقدسة .
شعره :

توقدت قريحته الشعرية عند مرابطته على المجالس الأدب وملازمته لندوات الشعر والشعراء في كربلاء حتى أصبح من أعيانها وأركانها أدباً وشعراً ومكانة ، وله ديوان شعر مخطوط باسم الحائرات توجد نسخة الأصل منه في خزانة كتبه(1) والديوان حافل بغرر القصائد وأجود الأشعار التي قالها في مناسبات مختلفة تتعلق بأهل البيت العصمة عليهم السلام وله شعر في المناسبات الاخوانية والاجتماعية .

يقول الأستاذ شبر في أدب الطف ، وفي أيام حداثتي وأول تدرجي على الخطابة استعرت ديوان الشاعر المترجم له من حفيده وسميه الخطيب الشيخ محسن وانتخبت منه عدة قصائد .

ومن أشهر قصائده النونية المتقدمة ، وقصيدة لامية في الحسين حظيت هي الأخرى بالشهرة والذيوع أيضاً وطالما رددتها حناجر الخطباء على منابر سيد الشهداء وخصوصاً بمناسبة قدوم عاشوراء هي :
فـار تـنور مـقلتي فـسالا      فغطى  السهل موجه والجبالا
وطـفت  فوقه سفينة وجدي      تـحمل  الهم والأسى أشكالا
عصفت في شراعها وهو نار      عاصفات الضنا صباً وشمالا
فهي  تجري بمزيد غير ساج      ترسل الحزن والأسى إرسالا

وتنتهي بقوله :
وهـي لا تستطيع مما عراها      من دهى الخطب أن ترد مقالا
غـير  تـردادها الحنين وإلا      زفـرة تنسف الرواسي الثقالا
ولادته ونشأته :

في كربلاء المقدسة عام 1305 ولد الخطيب المحسن الحفيد وقد مرت الاشارة إلى ولادته في سنة وفاة جده المحسن الكبير وكأن فيهما قال الشاعر :
رأيـت بني الدنيا كوفدين كلما      تـرحل وفـد حلَّ في إثره وفد
فـكل يجد السير عنها ونحوها      فيمضي بذا نعش ويأتي بذا مهد

ونشأ في ظلال أبيه نشأة كريمة ، وتفاعل مع أجواء بيئته العلمية والأدبية ، حتى تسنم الذرى ، وتسلق مراقي المجد والعلا ، وحاز قصبات السبق والمجد والخلود وطبقت شهرته المحافل والأندية ، وأشار لشخصيته بنان الأكبار والاجلال في عالمي الأدب والخطابة .
دراسته وخطابته :

افتتح مسيرته الدراسية بدراسة المقدمات على أبيه وبعض أساتذة الحوزة في كربلاء فقرأ النحو والصرف والعروض والبلاغة ، ثم اتجه إلى الثقافة المنبرية والأدب الحسيني يغترف من مناهل أبيه وجده ، وينتهل من منابع بيئته وموطنه بانياً مجده الخطابي على أساس متين من العلم والوعي والأدب ، مستفيداً من إرث أبيه معتمداً على قوة حافظته وحدة ذكائه ورهافة حسه ومؤهلاته الذاتية ، وأكدت المصادر المعتمدة ولوجه لهذا الميدان ولما يكمل العقد الأول من سني حياته ، وكان موضع الحفاوة والتشجيع منذ طفولته المبكرة من أبناء مدينته كربلاء لما تتمتع به أسرته من مكانة متميزة في خدماتها الحسينية ومنزلة مرموقة في الأدب والخطابة ، فكانت تربطه مع مجتمعه وجمهوره علائق المودّة والتكريم والمحبة والتعظيم حتى انطلق خطيباً جماهيرياً محبوباً طموحاً ، ازدحمت عليه الطلبات ، وتوالت عليه الدعوات من أنحاء العراق وأقطار الخليج وغيرها فزار الكويت والبحرين والشام وإيران ولكنه كان في شهري محرم وصفر خاصة لا يلبي طلباً خارج كربلاء ليقيم عزاء الحسين ويعقد مأتمه بقرب حرمه الشريف ومرقده المقدس .

وتحدث الأستاذ المؤرخ السيد سلمان هادي طعمه ملتقطاً صورة ميدانية عن خطابته فقال : (وقد واتاني الحظ ان أحضر مجالسه في أواخر حياته ، فكانت تلك المجالس مزدحمة بحشد غفير من العلماء والفضلاء والجماهير الشعبية الأخرى ، وكنت أعجب بتفننه في الخطابة حيث كان يعالج البحوث الإسلامية المهمة ، والقضايا التاريخية الغامضة ، ويأتي بأروع الأمثلة ذات الجدة والطرافة ، ويحسن الانتقاء للروايات الصادقة المستقاة من أوثق المصادر ، فكان بعيد الغور ، متضلعاً في القضايا الفكرية ، وله إلمام واسع في الشعر الفارسي ، حيث يجيده اجادة تمكنه من تلاوته بصورة متقنة(2) .
نشاطه ومساهماته :

شارك في العديد من الأنشطة الفكرية والثقافية والأدبية بروح متوثبة وهمة عالية ، وسعى مجداً لفتح فرع في كربلاء لجمعية الرابطة الأدبية في النجف الأشرف ، ولكن خيب سعيه السعاة ، واحبط همته الوشاة ، وثبط عزيمته المثبطون ، حتى فشل هذا المشروع الرائد والعمل الخالد ، وأقدم متوثباً لتقديم خدماته الثقافية والأدبية عن طريق مساهمته في تأسيس جمعية (ندوة الشباب العربي) التي تأسست في كربلاء عام 1941م وتولى عمادتها ردحاً من الزمن ، ونشر بعض قصائده بجريدة (الندوة) المشار إليها كما نشرت له كثير من الصحف والمجلات الأخرى غرر القصائد العصماء .
وفاته وتأبينه :

في فجر يوم الجمعة من الخامس في شهر ربيع الأول سنة 1369هـ سكت الخطيب المصقع فجأة ، وداهمته المنية بغتة ، فكان يوم مشهوداً ، وحمل جثمانه على الرؤوس إلى مقبرته الخاصة في روضة أبي الفضل العباس عليه السلام ، ثم أقيمت مجالس الفاتحة على روحه وبعد مرور أربعين يوماً على وفاته عقد محفل تأبيني كبير في الصحن الشريف ساهمت فيه كوكبة من رجال الفكر والأدب كان منهم الشيخ عبد الحسين الحويزي قال :
أسـاء زمـان لـم تـزل فيه مأمنا      وكـنت لـه تـبدي المكارم محسنا
خـطيباً  على الأعواد كنت مفصلاً      من الرشد عقداً في طلى الدهر مثمنا
مـتى  خـفيت عن كل فكر عبارة      لـها كـنت مـن حسن الكلام مبينا
أبـى  الـدهر الا أن يـكون له أباً      يـؤاخي ضـياءاً نجله واضح الثنا

_____________
(1) ـ تراث كربلاء للأستاذ سلمان هادي طعمه / 155 .
(2) ـ مقدمة ديوان أبي الحب / 8 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

http://www.20script.ir